الطاهر الطويل
قديماً قيل: “يخلق من الشبه أربعين”.
على أن التشابه بين الأشخاص لم يعد مادة للاستطراف والتعجب فقط، وإنما صارت له أيضا عدة وظائف جدية بالغة الأهمية، بدءا من الفن، وصولا إلى السياسة.
والذين لهم إلمام بسيط بالسينما يدركون قيمة من يطلق عليه “الرجل البديل” أو “الرجل الضعف”، وينطبق كذلك على المرأة.
والمقصود به ذلك الشخص الذي يكون شديد الشبه بالممثل صاحب الدور الرئيسي، فيتم اختياره بأدوار معينة عوضا عن الممثل النجم، في لقطات محددة، سيما تلك التي يكون فيها المرء عرضة لخطر ما (حريق، ارتماء من مكان عال، سياقة سيارة بسرعة جنونية..إلخ)، أو فقط عرضة لنيل ضربات عصا أو صفعات تقتضيها اللقطة بناء على سيناريو الفيلم.
الشيء نفسه نجده عند الممثلات (النجمات)، حيث أن هناك نساء شديدات الشبه بهن، ينبن عنهن ــ باتفاق مسبق طبعا ــ أثناء تصوير لقطات خطرة أو خادشة للحياء.
ويساهم الماكياج والتقنيات الحديثة العالية، في إحداث التطابق بين صاحب الدور البديل والممثل (البطل). وبذلك يحظى هذا الأخير بالإعجاب والاستحسان والتقدير، بينما يظل الرجل البديل أو الضعف مجهولا، رغم أنه يجعل نفسه عرضة لأخطار حقيقية ومواقف محرجة وأحيانا مهينة.
الرجل البديل ليس مقتصرا على السينما، بل يشمل السياسة أيضا. وهكذا، سمعنا عن بعض القادة والزعماء السياسيين ممن يوجدون على أعلى هرم السلطة، اختاروا لهم أشخاصا شبيهين بهم، لغايات أمنية وقائية، إذ يعوضونهم في مواقف معينة، ويخرجون ــ بدلا عنهم ــ في أماكن عامة، قصد تجنب الأخطار التي قد يتعرض لها القادة، والتي يمكن أن تصل إلى محاولات الاغتيال!
لنا، هنا، أن نستحضر ــ على سبيل المفارقة ــ القصة المعروفة لرسول ملك الروم إلى الخليفة عمر بن الخطاب، عندما وجده نائما في الخلاء يفترش الأرض ويلتحف السماء.
ويبدو أن مهمة الرجل البديل في السياسة أصعب منها في الفن. فإذا كان دور البديل في هذا المجال الأخير يشترط ــ غالبا ــ رهانا على قدرات البدن، فإن مجال السياسة يتطلب من البديل الإلمام الجيد بالسلوك السياسي، أدبيات وممارسة، وبقواعد اللعبة. إنه دور مركب، يتطلب من صاحبه أن يكون ممثلا بارعا وسياسيا حذقا، في الآن نفسه.
هل نقول، إذن إن الرجل البديل شعورا متناقضا: شعور بكبرياء القادة، وكذا بحسرة تشبه تلك التي يشعر بها المهرج “المضحك الباكي”؟
هل نسميها تضحية، حين يرتدي قناعا، يخفي فيه نفسه ليكون غيره، ومطلوب منه أن يوهم ذاته، قبل الناس، بأنه هو ذلك الآخر “المتقمص” الذي يفديه بجسده وروحه؟ أم هي فقط رغبة في كسب المال الوفير؟